الأمر الأول: تقدم في حديث سمرة :"كل غلام مرهون بعقيقة تذبح يوم سابعه ويحلق ويسمى" والحلق عند العق استحبه أهل العلم كما حكاه ابن عبد البر رحمه الله تعالى
الأمر الثاني: هل حلق الشعر للمولود هل هو عام للذكر والأنثى أم أنه خاص بالذكر؟
القول الأول: أن حلق المولود خاص بالذكر وهذا قول الحنابلة
القول الثاني:أنه عام للذكر والأنثى وهذا هو قول الشافعية وقول عند الحنابلة
وسبب قول أنه خاص بالذكر أن نص الحديث جاء للغلام وقال:"كل غلام" وقال لما ذكر الغلام دل هذا على أنه خاص به دون الجارية وهي الأنثى أما الذين قالوا إنه عام للذكر والأنثى قالوا أن الشريعة قد جرت على ذكر الذكر فتدخل الأنثى تبعا للذكر من باب التغليب قالوا وهذا الحديث كذلك قاولا ويؤيد ذلك أنه ذكر في الحديث التسمية والعق وهذان الحكمان عامان للذكر والأنثى قالوا ويؤيد ذلك الفوائد الطبية المترتبة عن حلق الرأس فإن هذا مما ينتفع به الذكر والأنثى فعلى هذا والله أعلم أن الحكم شامل للذكر وللأنثى وذكر لفظ الغلام هنا هذا معروف في الشرع لأنه من باب الغالب
الأمر الثالث:
استحب أهل العلم إذا حلق رأس الغلام أن يوزن شعره وأن يتصدق بوزنه فضة وهذا قد جاء من عدة طرق أصحها وجها ما رواه مالك وغيره من طريق أبي جعفر الباقر أنه يحكي عن فاطمة رضي الله عنها وأرضاها وهي عمته وهذا السند إذا نظرت إليه من جهة الصناعة الحديثية وجدته سندا منقطعا لأن أبا جعفر الباقر لم يسمع فاطمة رضي الله عنها وأرضاها لكن مثل هذا مما يغتفر فيه الانقطاع لأن مثله إذا فعلته فاطمة ونقله أبو جعفر الباقر عن فاطمة وهي عمته فمثل ها مما يشتهر فيتساهل فيه لاسيما وقد ذكر الإمام ابن عبد البر أن على هذا درج أهل العلم وأنه يستحب عند أهل العلم وقد طالعت ما شاء الله في كتب أهل العلم في هذه المسألة ولم أر أحدا من أهل العلم توقف في هذه المسألة أو أنكرها بل هم متواردون على استحبابها كما قال ابن عبد البر فيما تقدم
الأمر الرابع:
خرج أبو داود وغيره من حديث سمرة :"كل غلام مرهون بعقيقة تذبح يوم سابعه ويحلق ويدمى" قالوا ومعنى قوله "ويدمى" أي يوضع الدم على رأسه وذهب إلى هذا الحسن وقتادة لكن ذكر ابن عبد البر رحمه الله تعالى أنهما لم يتابعا وأن أهل العلم خالفوهم وأن اللفظ الصواب قوله "ويسمى" لذلك ذهب الإمام أحمد وأبو داود إلى أن لفظة "يدمى" خطأ وأن لفظة الصواب هو " يسمى" وهذا هو الصواب ويؤكد ذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى
الأمر الخامس:
ثبت عند ابن حبان بإسناد ...الصحة أن عائشة ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ضعوا مكان الدم خلوقا" يعني يستحب أن يوضع مكان الرأس خلوقا فأهل الجاهلية كانوا إذا حلقوا الرأس وضعوا دما فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ضعوا مكان الدم خلوقا" والخلوق طيب مأخوذ من الزعفران وغيره كما ذكر ذلك ابن الأثير رحمه الله تعالى وأقرب ما له وقد سألت عن ذلك بعض العطارين قالوا أقرب ما له الآن في زمننا هذا هو طيب الزعفران المعروف فعلى يستحب للإنسان إذا حلق رأس ولده أن يضع خلوقا على رأسه خلافا لأهل الجاهلية الذين كانوا يضعون دما وهذا الحديث يؤكد لك خطأ قول الحسن وقتادة رحمهما الله تعالى لما قالوا ويدمى أي ضعوا الدم فالنبي صلى الله عليه وسلم خالف أهل الجاهلية بقوله صلى الله عليه وسلم:"ضعوا مكان الدم خلوقا"
وهنا أريد أن أنبه على أمر يتعلق بحلق الرأس ثبت في السنة في الصحيحين من حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع قال نافع أو عبيد الله :"والقزع حلق بعض الرأس وترك بعضه" وإذا قرأت كتب أهل العلم وكتب أهل اللغة وجدتهم يعرفون القزع بالحلق فعلى هذا التقصير لا يدخل في القزع وإنما القزع بحلق بعض الرأس وترك بعضه الآخر وقد تكلم أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى عن القزع في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم وذكر أنواعه الأربعة وكذا تلميذه ابن القيم في كتابه تحفة المودود فالمقصود أن حلق جزء من الرأس مع ترك جزء آخر يعتبر قزعا أما تقصير جزء مع ترك جزء آخر فلا يسمى قزعا فيشترط في القزع الحلق
ثم اعلموا يا إخواني أن أهل العلم مجمعون على أن حكم القزع الكراهة لا التحريم كما حكا ذلك النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم
لكن تنبهوا إلى أمر أن من قصر بعض الرأس دون الآخر وشابه الكفار ففعله هذا محرم لأجل المشابهة لا لأجل تقصير بعض الرأس وترك البعض وقد ثبت عند الإمام احمد وأبي داود وجود الإسناد ابن تيمية والحافظ ابن حجر من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلمقال:"من تشبه بقوم فهو منهم" وذكر أهل العلم كأبي العباس ابن تيمية وابن جرير الطبري والنووي وكذا مشايخنا المعاصرون كالإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز والإمام محمد ناصر الدين الألباني والإمام محمد بن صالح العثيمين أن التشبه إنما يكون محرما في الأمر الخاص بالكفار بمعنى أنه لو وجد أمر اشترك فيه المسلمون والكفار وفعله بعض المسلمين فلا يعتبر تشبها بل لو وجد أمر أصله موجود في الكفار فاستمر برهة من الزمن خاصا بالكفار ثم بعد ذلك انتشر بين المسلمين والكفار فصار شائعا بين الطرفين لا تتميز فيه طائفة عن طائفة فمثل هذا يجوز فعله ولا يسمى تشبها كما ذكر ذلك الإمام مالك وذكره الذهبي والحافظ ابن حجر ونص عليه شيخنا محمد بن صالح العثيمين في شرحه على كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية رحمه الله تعالى .